” لعلكم تفقهون ” قصيدة في المنفى الروحي والفكري للشاعرة : غُفران جليد

  • بتاريخ : يونيو 22, 2025 - 10:26 م
  • الزيارات : 179
  • قِفا نبكِ من فكرٍ غريبٍ تأبّى
    على القومِ، لم يُنكر، ولم يتربّى

    أُجالسُهم، والروحُ تبكي وحيدةً
    كأنّي غريبٌ ما وطئتُ التُّرَبّا

    أُحدّثهم عن نورِ عقلٍ ورُقيّ
    فيُقلبُ وجهًا أو يُعابُ ويُسبّى

    أرى الجهلَ تاجًا فوقَ هامِ رجالهم
    وأحلامُهم تَنفى العُلا وتخبّى

    إذا قلتُ: “هذي الظُلماتُ صنيعُكم”
    رموني بقولٍ، واستشاطوا غضبّا

    فآليتُ صمتًا، ثم صمتًا، ثم إني
    غدوتُ أُصافي الصمتَ إن ضاقَ دربا

    كأني أُحدّثُ في الفراغِ ضميرَهُ
    وأُشعلُ فكرًا، والعيونُ تُطفئا

    وما عاد فيهم من يُصغي لوهلةٍ
    ولا من إذا أبصرتَ ظلمًا تنبّى

    فهجرتُهمُ، لا كارهًا بل يئستُ من الـ
    رجاءِ، وذقتُ اليأسَ مُرًّا مُعَبّى

    وصادقتُ حزني، لا أعاتبه أبدًا،
    فكم كان في وحدي مواسٍ مُهَبّى

    فَلا تسألوني كيف أهوى اكتئابي،
    إذا كان حولي لا يَفهمُ حُبّا…

    أُحاوِلُ أن أُشفي الجراحَ بقولِهمْ
    ولكنّهمُ كالملحِ إن جئتُ طِبّا

    أُعلِّمُ طفلَ الروحِ شِعرَ النجاةِ،
    فيضحكُ في وجهي ويَستثقلُ الكتبا

    ويمضي الزمانُ، وكلُّ حديثي
    يُردُّ عليّ، ويُخنقُ النُبلَ خنقا

    فأُدمنُ صمتي، لا أُعاتبُ جاهلًا،
    فإنّ العتابَ على العقولِ مضيعا

    وأُقسمُ ما في القلبِ إلا أمانةٌ
    لأرواحِ قومٍ ما أرادوا له حَبّا

    فتركتُهمُ، والروحُ تنأى وتنجلي،
    كغيمٍ تنحّى عن سهولٍ مُغَبّا

    وغادرتُهم والدمعُ يجري وراءهم
    كنهرٍ رأى في البُعدِ حُسنًا وأخصبا

    وها أنا في منفى، ولكنْ… مكرَّمٌ،
    فأكرمُ من في القومِ مَن عاشَ غُربا

    أُحدّثُ نفسي عن كرامةِ فكرِها،
    وإن باتَ في جوفِ الحنينِ معذّبا

    فأمضي، فإنّي إنْ رجعتُ لجاهلٍ،
    فقد خُنتُ عقلًا كان بالحقِّ أدرى

     قصيدة لعلكم تفقهون، قصيدة في المنفى الروحي والفكري.
    للكاتبة : غُفران جليد

    (كاتبة وشاعرة ليبية، ناقدة، معدة برامج، بودكاستر)