بتاريخ : أغسطس 14, 2025 - 10:03 م
الزيارات : 387
في إسبانيا، يمكن أن يكون النقاش حول الإسلام وحضور المسلمين في الحياة العامة فرصة لتعزيز ديمقراطيتنا، وتقوية التماسك الاجتماعي، وتطبيق التعددية المكفولة من طرف الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن هذا النقاش بات مشروطًا بشكل متزايد بدور اليمين المتطرف، الذي جعل من الإسلاموفوبيا أداة سياسية، مستغلاً خوف شريحة كبيرة من المواطنين لتقييد الحقوق الأساسية.
الأساس الدستوري والقانوني: إطار للضمانات
تنص المادة 14 من الدستور الإسباني على أن: “الإسبان متساوون أمام القانون، ولا يجوز أن يسود أي تمييز بسبب المولد أو العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي أو أي ظرف أو حالة شخصية أو اجتماعية أخرى”.
أما المادة 16 فتضيف: “تُضمن حرية الفكر والحرية الدينية وحرية العبادة للأفراد والجماعات”، وتلزم السلطات العامة بالحياد الإيجابي لضمان ممارسة هذه الحرية.
ويعزز القانون العضوي رقم 7 لسنة 1980 بشأن الحرية الدينية هذا الإطار، حيث ينص في المادة 2.1 على أن: “حرية الدين والعبادة للأفراد والجماعات تشمل الحق في اعتناق المعتقدات الدينية التي يختارونها بحرية، وممارسة شعائر العبادة، وتلقي المساعدة الدينية”، وكذلك “إنشاء أماكن العبادة أو الاجتماع لأغراض دينية وامتلاك واستخدام الممتلكات اللازمة لذلك”.
هذه الضمانات ليست مجرد بيانات رمزية، بل هي التزامات على السلطات العامة. ومع ذلك، شهدنا في السنوات الأخيرة كيف أن بعض الإدارات، المتأثرة بالأحزاب اليمينية المتطرفة، اتخذت إجراءات تنتهك هذه الضمانات صراحة.
إجراءات تمييزية حديثة
قائمة الإجراءات السياسية التي تتعارض مع روح ونص قوانيننا طويلة ومقلقة:
• جوميا (مورسيا): صوّت حزبا الشعب (PP) وفوكس (Vox) على حظر استخدام مرافق البلدية من قبل مسلمي البلدة للاحتفال بعيد الفطر وغيد الأضحى، بحجة “الدفاع عن قيم وهوية” البلدية. هذا القرار ينتهك مباشرة المادتين 14 و16 من الدستور، ويتعارض مع اتفاقية التعاون بين الدولة واللجنة الإسلامية في إسبانيا (القانون 26/1992) التي تضمن ممارسة هذه الاحتفالات علنًا.
• ريبوي (كاتالونيا): عمدت رئيسة البلدية ورئيسة الحزب المتطرف التحالف الكاتالوني إلى منع دخول النساء بلباس السباحة الإسلامي إلى المسبح البلدي. هذا تمييز مباشر على أساس ديني، وينتهك المادة 2.1.c من القانون العضوي للحرية الدينية التي تضمن الحق في عدم التعرض لأي تمييز بسبب المعتقدات أو ممارستها.
• قيود عمرانية على أماكن العبادة: في عدة بلديات كاتالونية، تم إقرار قوانين محلية لنقل المساجد إلى المناطق الصناعية، مما يحد من إمكانية الوصول إليها ويقلل من حضورها في الأحياء السكنية. هذه الممارسة تتعارض مع الحق المنصوص عليه في المادة 2.1.d من القانون العضوي للحرية الدينية في “إنشاء أماكن عبادة” دون تمييز مقارنةً بباقي الديانات الأخرى.
• التمييز في سوق العمل ضد النساء المحجبات: في العديد من الحالات الموثقة من قبل أمين المظالم ومنظمات حقوق الإنسان، حُرمت نساء مسلمات من وظائف مؤهلة فقط لارتدائهن الحجاب، في انتهاك للقوانين الإسبانية ولـ التوجيه الأوروبي 2000/78/EC الذي يحظر التمييز في العمل على أساس الدين أو المعتقد.
نمط عمل اليمين المتطرف: التسييس والتقييد
هذه الإجراءات ليست حوادث عرضية، بل جزء من استراتيجية سياسية منظمة. يسعى اليمين المتطرف لتحويل الدين الإسلامي إلى رمز للمواجهة، مستخدمًا خطابًا يخلط بين وقائع محددة وادعاءات عامة لتبرير سياسات تقييدية.
بدلاً من تعزيز نقاش متوازن حول قضايا حقيقية —مثل الشفافية في التمثيل المؤسسي أو تحسين الاندماج— يتم الدفع نحو قوانين وبنود تُقيد في الواقع الهوية الإسلامية في الفضاءات العامة والوظائف والخدمات.
ما الذي يعنيه نقاش ديمقراطي حقيقي؟
الحديث عن الإسلام في إسبانيا مشروع وضروري، لكن لكي يكون النقاش ديمقراطيًا، يجب أن:
1. يحترم الإطار القانوني القائم: الدستور، والقانون العضوي للحرية الدينية، واتفاقيات التعاون، والتوجيهات الأوروبية.
2. يميز بين المعتقدات والسلوكيات: انتقاد الأفعال غير القانونية أو المناهضة للديمقراطية أمر مشروع، لكن وصم دين كامل أمر مرفوض.
3. يضمن مشاركة أصوات متعددة: فالمجتمع المسلم في إسبانيا متنوع في أصوله وأفكاره وطرق عيشه وتطبيقه للاسلام.
التعددية قوة وليست تهديدًا
تملك إسبانيا تاريخًا طويلًا من التعايش متعدد الثقافات والأديان. وفي القرن الحادي والعشرين، يجب أن يترجم هذا التاريخ إلى سياسات عامة تضمن عدم تعرض أي شخص للتمييز بسبب دينه أو ثقافته. فالتعددية ليست خطرًا يجب “السيطرة” عليه بإجراءات تقييدية، بل قيمة تثري الحياة الديمقراطية.
الخلاصة: حماية الأقليات هي حماية للديمقراطية
اليمين المتطرف يؤثر سلبًا على النقاش حول الإسلام في إسبانيا، مستخدمًا سلطته السياسية لتقييد الحقوق وإعادة تعريف الحرية الدينية بمفاهيم إقصائية.
الدفاع عن الدستور يعني الدفاع عن حق الجميع —الأغلبية والأقليات— في العيش وفقًا لقناعاتهم، طالما هم ملتزمون بالقانون. وهذا يتطلب رفض أي محاولة لاستخدام الخوف كأداة حكم.
وكما جاء في نصٍ للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان: “الحرية الدينية هي أحد أسس المجتمع الديمقراطي”. إنكارها أو تقييدها أو جعلها مشروطة هو تقويض لجوهر الديمقراطية نفسها.
إرسال تعليق