حريق مسجد قرطبة – الكاتدرائية… بين لغز الأسباب وأصابع السياسة

  • بتاريخ : أغسطس 8, 2025 - 10:35 م
  • الزيارات : 163
  • مريم مستور. إسبانيا:

    _لم يكن مساء الجمعة عاديًا في قلب قرطبة. فمع حلول الليل، اشتعلت النيران داخل مسجد قرطبة – الكاتدرائية، أحد أروع شواهد التراث الإنساني، والمدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
    ورغم أن فرق الإطفاء سيطرت على الحريق خلال ساعة، إلا أن ألسنة اللهب تركت وراءها أسئلة أكثر سخونة من الدخان الذي تصاعد فوق المدينة.

    البيانات الرسمية تحدثت عن أن النيران بدأت في مصلى جانبي بجناح المنصور، حيث تخزن معدات التنظيف وتشحن بطاريات آلات غسل الأرضيات. لكن خلف هذه الرواية التقنية، يلوح ظل السياسة، خاصة أن الحريق جاء في سياق مشحون بقرارات ومواقف معادية للمظاهر الإسلامية، تبناها في الأسابيع الأخيرة حزب يميني متطرف يسعى إلى كسب نقاط انتخابية عبر إذكاء الانقسام.

    فكلنا نعلم ان مسجد قرطبة – الكاتدرائية ليس مجرد مبنى ديني، بل هو شاهد على قرون من التعايش الحضاري في الأندلس.
    بني في القرن الثامن في أوج الحضارة الإسلامية، وكان مركزًا للعلم والفنون والعبادة. وبعد سقوط قرطبة، حُوِّل إلى كاتدرائية، لكنه احتفظ بجمال عمارته الإسلامية الفريدة، ليصبح رمزًا عالميًا للتلاقح الثقافي بين الشرق والغرب. المساس به، سواء بالفعل أو بالكلمة، يعد مساسًا برمز يخص الإنسانية جمعاء.

    في الوقت الذي تحقق فيه السلطات لمعرفة ما إذا كان الحادث عرضيًا أو متعمدًا، يراقب المتابعون كيف يسارع الحزب اليميني المتطرف لاستغلال الحدث إعلاميًا، إما عبر التلميح لمسؤولية “الإهمال” أو إعادة طرح خطابه القديم حول “إعادة هوية” المكان.
    هذا الاستغلال، بحسب ناشطين، يمثل خطورة مزدوجة: فهو لا يكتفي بزعزعة الثقة، بل يعيد إنتاج خطاب الكراهية ويؤجج مشاعر العداء تجاه المسلمين.

    _الحريق ليس حادثًا معزولًا عن السياق العام في إسبانيا، حيث تصاعدت في السنوات الأخيرة حدة الخطابات السياسية المعادية للتعددية الثقافية، وتكررت محاولات تهميش الموروث الإسلامي في الفضاء العام.
    الخطر الأكبر اليوم ليس فقط في معرفة سبب الشرارة التي أشعلت النيران في قرطبة، بل في إطفاء النار الأعمق: نار العنصرية المنظمة التي تهدد السلم الأهلي، وتدفع المجتمع نحو انقسام لا رابح فيه إلا دعاة الكراهية.