قراءة تحليلية لكتاب قصر الكتب روجيه غرينييه

  • بتاريخ : أبريل 3, 2025 - 7:52 م
  • الزيارات : 425
  • بقلم 🖋️  د. إكرام عيد:

    لم يكن مجرد كتاب، بل كان بوابة سرية إلى عالم من الأحلام الورقية، حيث تسكن الكلمات كما لو كانت أرواحًا حية تنتظر قارئًا يمنحها صوتًا آخر غير صوت الحبر. “قصر الكتب” لروجيه غرينييه ليس مجرد سرد عن علاقة الإنسان بالكتب، بل هو اعتراف طويل، سردي، بديع، عن تلك الألفة الغامضة التي تنشأ بين القارئ والورق، بين الحروف والحياة.

    لم يكن المؤلف رجلًا يكتب عن الكتب فحسب، بل عاش بينها، تنقل بين رفوفها كما يتنقل مسافر بين مدن متخيلة، عثر فيها على قصص الآخرين كما لو كانت امتدادًا لقصته الخاصة. لقد رسم غرينييه عالمًا مشبعًا بالحنين، بالحكايات المخبأة بين الأغلفة، بالتاريخ الشخصي لكل كتاب، وكأنه كائن يتنفس، يشعر، ويقاوم الفناء.

    في كل صفحة، كان هناك صديق قديم يُبعث من جديد: كافكا، بروست، مونتاني، أولئك الذين جعلوا القراءة مزيجًا من الاكتشاف والتواطؤ، وكأنهم يهمسون بأسرارهم في آذاننا. لا يتعامل الكاتب مع الكتب كجمادات، بل كأرواح، كذكريات معقدة تمتزج بالواقع، وكأن حياته لم تكن إلا ظلالًا لتلك الصفحات التي قلبها مرارًا.

    لكن، في زوايا “قصر الكتب” ثمة حزن شفيف، تلك الغصة التي ترافق القارئ حين يدرك أن الكتب، مهما منحتنا من حيوات أخرى، لا تستطيع أن تمنعنا من مواجهة الحقيقة: أننا، في النهاية، مجرد قراء في كتاب العالم الكبير، وأننا حين نغلق الغلاف الأخير، فإننا نعود إلى صمتنا الأول.

    يكتب غرينييه بلمسة شاعرية، يجعل الورق يتنفس، يجعلنا نشعر بأن المكتبات ليست مجرد أماكن، بل أمكنة تنبض بالحكايات المخبأة، بالأصوات التي تنتظر قارئًا يمنحها حياة جديدة. يختزل “قصر الكتب” تجربة القارئ المثالي، ذلك الذي لا يبحث عن المعرفة فقط، بل عن الصحبة، عن العزاء، عن ذلك الشعور الدافئ بأن هناك دائمًا كتابًا في انتظارنا، كتابًا يعرف ما نحتاجه قبل أن نعرفه نحن.

    كلما تقدمنا في القراءة، أدركنا أن الكتب ليست مجرد عناوين في فهارس، بل هي محطات حياة، و”قصر الكتب” ليس إلا تأملًا طويلًا في هذه العلاقة الحميمة بين الإنسان والمكتبة، بين الحياة والمرويات، بين الحقيقة والخيال، حيث يظل القارئ، إلى الأبد، سجينًا سعيدًا بين دفتي كتاب.