الدستور في كفة.. والتصريحات في كفة.. استقلال القضاء على المحك من يحاسب من ؟

  • بتاريخ : يوليو 22, 2025 - 4:17 م
  • الزيارات : 369
  • ✍️ مريم مستور: 

    في بلد يطمح إلى ترسيخ دولة المؤسسات، تطرح تصريحات وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي تساؤلات جدّية حول احترام مبدأ فصل السلط، واستقلالية القضاء، ومفهوم المحاسبة.

    في دولة يُفترض أنها تسير بثبات نحو تكريس المؤسسات وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لا يكاد يمر وقت حتى تُفاجأ الساحة الوطنية بتصريحات مثيرة للجدل من شخصيات حكومية رفيعة.

    آخرها خرجات وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي تحدّث علناً عمّا وصفه بـ”حكومة القضاة”؛ تعبير اعتبره كثيرون تهجماً مباشراً على استقلال القضاء واستفزازاً غير مسبوق لرجال ونساء السلطة القضائية.

    ردود الفعل لم تتأخر، إذ عبرت هيئات قضائية عن استيائها مما اعتبرته مساً بمكانة القضاء وصلاحياته، لا سيما وأن التصريحات صدرت عن وزير يُفترض أن يكون أول المدافعين عن العدالة واستقلالها.

    لكن الصدمة تتعمّق حين نرى أن الوزير نفسه لا يتردد في تحريك المتابعات القضائية ضد صحافيين ومعارضين، تحت يافطة “عدم التسامح مع القذف والافتراء”، كما وقع مع الصحافي حميد المهداوي. وكأن القضاء أضحى وسيلة شخصية للردع، لا مؤسسة للإنصاف.

    فلماذا لم يتحرك نفس القضاء عندما أطلق الوزير اتهامات تمس شرف وكرامة مواطنين مغاربة داخل الوطن وخارجه..؟
    وأمين العام لحزب العدالة والتنمية يتنمر بنساءها..؟؟

    ثم كيف يُعقل أن يُبرَّأ برلماني بدعوى أنه “أمي لا يفقه اللغة”؟ وهل الجهل بالقانون صار وسيلة للإفلات من العقاب؟
    اين نحن من القانون لا يحمي المغفلون..؟؟

    أين النيابة العامة من كل هذا؟
    وأين هي مساطر المحاسبة؟

    وإذا انتقلنا إلى الشق المالي، نجد أن الأسئلة تتكاثر أيضاً حول مدى التزام الوزير المعني بمقتضيات التصريح الضريبي الكامل، خصوصاً في ما يتعلّق بمداخيله كمحامٍ ومستثمر. تساؤلات حول تضارب محتمل للمصالح بين صفته الوزارية وأنشطته المهنية، لا تجد إلى اليوم أي إجابة رسمية أو تحقيق نزيه.

    فهل نحن أمام عدالة انتقائية؟
    أم أن القانون يُطبّق فقط على من لا سلطة له؟
    وأين هي تلك الإرادة السياسية التي كثيراً ما تُروَّج لمحاربة الفساد والريع؟
    أهي مجرد شعارات موسمية؟

    من جهة أخرى، تتابع الجالية المغربية بالخارج هذا المشهد بكثير من القلق والاستغراب. فبدلاً من الإنصات لمشاكلها الفعلية – من عراقيل إدارية مزمنة، إلى صعوبات الاستثمار والتمييز في الخدمات – نجد أن ملف الجالية يُستغل فقط لتلميع الصور أو في سياقات خطابية انتخابية لا أثر لها في السياسات العمومية.

    تصريحات المسؤولين لا تعكس في كثير من الأحيان حقيقة التوجه الحكومي، بل تُستعمل أحياناً للهروب من الانتقاد أو تصفية الحسابات.

    وفي ظل كل هذا، يحق للمغاربة، في الداخل والخارج، أن يطرحوا أسئلة جوهرية:

    من يُدير فعلياً دواليب الدولة؟

    من يُراقب الوزراء؟

    لماذا لا يُحاسَب من يسيء لمؤسسات الدولة من الداخل؟

    وهل القضاء مستقل فعلاً، أم يُستعمل متى دعت الحاجة؟

    لا يمكن بناء دولة الحق والقانون ما لم تكن المحاسبة شاملة، تطال الجميع دون استثناء. لا الصحافي فقط، بل الوزير أيضاً. لا المواطن البسيط فقط، بل أصحاب النفوذ كذلك.

    المغاربة اليوم يريدون مغرباً جديداً بمؤسسات تُحترم، وبمسؤولين يُحاسَبون، لا بأشخاص يستعملون القضاء حين يخدمهم، ويهاجمونه حين لا يساير مصالحهم.

    فإما أن نكون في دولة مؤسسات، أو نُقرّ بصراحة أن القانون لا يسري على الجميع.