بتاريخ : سبتمبر 10, 2025 - 10:45 م
الزيارات : 629
مريم مستور:
في خطوة لافتة على الساحة الدولية، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز عن حزمة من الإجراءات تهدف إلى الحد من تدفق الأسلحة والوقود العسكري إلى إسرائيل، في ظل الحرب التي تشنها قوات الاحتلال على غزة، والتي يصفها جزء متزايد من المجتمع الدولي بأنها إبادة جماعية.
غير أن محللين عسكريين إسبان يرون أن هذه الإجراءات، في صيغتها الحالية، ستكون محدودة الأثر إذا لم تترافق مع تنسيق دولي صارم وتغييرات في الأطر القانونية والمعاهدات التي تنظم تجارة السلاح.
أبرز ما أعلن عنه سانشيز يتمثل في إصدار مرسوم ملكي يمنح الحظر المفروض على تجارة السلاح مع إسرائيل صفة قانونية واضحة.
ورغم أهمية هذه الخطوة من الناحية الرمزية، إلا أنها، بحسب مراقبين، تأتي لتقنين وضع قائم بالفعل؛ إذ تؤكد وزارة الدفاع الإسبانية أن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل جُمّد منذ 7 أكتوبر 2023، أي مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وخلال الأشهر التالية، تم تسجيل بعض الشحنات الصغيرة التي لا تتجاوز قيمتها 250 ألف يورو، لكن وزارة الدفاع أوضحت لاحقًا أن هذه الشحنات تعود لعقود مبرمة قبل اندلاع الحرب، ما يعني أنها استثناءات محدودة.
كما شملت الإجراءات السابقة للحكومة إلغاء صفقة ذخيرة للحرس المدني الإسباني بقيمة 12 مليون يورو، إضافة إلى قرار بـ”فك الارتباط التكنولوجي” مع إسرائيل، بدءًا بعقد صواريخ سبايك المضادة للدبابات.
منذ مطلع 2024، أوقفت اللجنة المشتركة بين الوزارات لمواد الدفاع والاستخدام المزدوج (JIMDDU) جميع صفقات بيع وشراء السلاح مع إسرائيل، باستثناء بعض الإمدادات الخاصة بصيانة الأنظمة العسكرية الإسبانية، والتي تمت بموجب تصاريح مؤقتة.
رغم أن إسرائيل تُعد واحدة من أكثر الدول تسليحًا في العالم، فإنها ما زالت ضمن أكبر 20 دولة مستوردة للسلاح، خصوصًا في مجالات مثل:
الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية.
العربات المدرعة الخفيفة والشاحنات.
معدات الحماية الفردية.
الذخيرة الثقيلة والخفيفة.
ومع تصعيد الحرب على غزة، ارتفعت الحاجة الإسرائيلية بشكل خاص إلى:
1. ذخيرة المدفعية.
2. ذخيرة الدبابات.
3. ذخيرة البنادق والأسلحة الفردية.
لكن الأهم يبقى الإمدادات الجوية التي يعتمد عليها الجيش الإسرائيلي في تنفيذ قصفه المكثف.
وهنا يتجلى الدور الأميركي المحوري؛ إذ ينص اتفاق الدعم العسكري الموقع عام 2016 بين واشنطن وتل أبيب على تقديم 38 مليار دولار على مدى عشر سنوات، على أن تُنفق هذه الأموال على شراء أسلحة أميركية حصريًا.
وتشمل هذه الإمدادات:
طائرات مقاتلة F-16، ومروحيات أباتشي.
صواريخ جو-أرض وصواريخ دفاع جوي.
قنابل ذكية من طراز MK-82 وMK-84، إلى جانب تقنيات لتحويل “القنابل الغبية” إلى قنابل موجهة.
صواريخ هيلفاير المضادة للدبابات والتحصينات، ذات دقة عالية بفضل أنظمة التوجيه بالليزر.
برامج الذكاء الاصطناعي العسكرية مثل تلك التي توفرها شركة Palantir Technologies، والتي تُستخدم لتحديد الأهداف في غزة.
من بين الإجراءات الجديدة، يبرز حظر عبور السفن المحمّلة بوقود عسكري عبر الموانئ الإسبانية، خصوصًا الكيروسين المستخدم في تشغيل الطائرات المقاتلة الإسرائيلية.
إلا أن هذه الخطوة تواجه تحديات عملية كبيرة، إذ غالبًا ما يُخلط الوقود العسكري مع شحنات مدنية، ما يجعل الكشف عن طبيعة الشحنات صعبًا للغاية.
تشير التقارير إلى أن أبرز نقاط الانطلاق لهذه الشحنات تقع في موانئ كوربوس كريستي بولاية تكساس الأميركية، وتتجه إلى موانئ حيفا وأشدود ، عبر شركات شحن كبرى مثل:
Maersk الدنماركية.
Overseas Shipholding Group الأميركية.
ونجح بعض النشطاء في تتبع سفن مشبوهة، مثل ناقلة Overseas Suncoast التي رست في ميناء برشلونة في يوليو الماضي، لكن ضعف الرقابة الوثائقية حال دون اتخاذ إجراءات حاسمة.
كما أن السفن قادرة على تجنب الموانئ الإسبانية كليًا، عبر التوجه إلى موانئ مجاورة مثل ميناء طنجة المتوسط في المغرب، وهو ما يحد من تأثير الحظر الإسباني.
مصادر في البحرية الإسبانية حذرت من أن “غياب التعليمات الواضحة لموظفي الموانئ وعدم وجود مراقبة فعلية في المياه الإقليمية يجعل هذه القرارات رمزية أكثر من كونها عملية”.
أحد أبرز إجراءات الحكومة الإسبانية هو منع الطائرات “الرسمية” التي تحمل أسلحة لإسرائيل من دخول المجال الجوي الإسباني.
لكن هذا القرار يتضمن ثغرة كبيرة، إذ أن معظم صفقات السلاح لا تُنقل عبر طائرات تابعة للدول، بل بواسطة شركات شحن جوية خاصة متخصصة في هذا النوع من النقل.
فعلى سبيل المثال، عندما تشتري إسرائيل صواريخ هيلفاير من شركة لوكهيد مارتن، أو قنابل MK من جنرال دايناميكس، تُنقل هذه الشحنات عبر طائرات خاصة، غالبًا ما تمر فوق أجواء:
أيرلندا،
المملكة المتحدة،
بلجيكا،
متجنبةً المجال الجوي الإسباني تمامًا.
وبذلك، يظل التدفق الجوي للسلاح مستمرًا رغم الحظر الإسباني.
رغم الطابع الحازم للإجراءات المعلنة، فإن فعاليتها على الأرض تبقى محدودة لعدة أسباب، أبرزها:
1. غياب التنسيق الدولي، إذ لا يمكن لدولة واحدة بمفردها وقف شبكة توريد ضخمة تديرها شركات متعددة الجنسيات.
2. تعقيدات قانونية وتجارية، تجعل تنفيذ الحظر مرهونًا بإعادة النظر في الاتفاقيات الدولية المنظمة لتجارة السلاح.
3. ثغرات في المراقبة، سواء في الموانئ أو الأجواء، تسمح بتجاوز القرارات بسهولة.
في المحصلة، يرى محللون أن خطوات إسبانيا تحمل قيمة رمزية، إذ تعبّر عن موقف سياسي متقدم ضد المجازر في غزة، لكنها لن تكون كافية ما لم تُترجم إلى جهد دولي منسق قادر على وقف تدفق السلاح والوقود الذي يغذي آلة الحرب الإسرائيلية.
إرسال تعليق